قبل
حوالي أربعة أشهر أو تزيد ، أي بعد حوالي أقل من شهرين فقط من بدء انطلاقة
ثورة الشباب السلمية ، قلت لأحد أصدقائي المعتصمين في ساحة الحرية : لقد
طال بنا الوقت ونحن في الساحة ننتظر ساعة الحسم ، وأخشى أن يصاب الشباب
بالملل داخل الساحات .! ضحك صديقي من تساؤلي الساذج حينها وأجابني بلكنة
دارجة قائلاً : " يا خبيرعاد نحنا شنصلي التراويح هاذي السنة أونه بهاذي
الساحة ، والأيام بيننا وأنا شاذكرك " ..! سخرت يومها من كلام صديقي
واعتبرته مجرد هراء و" هرطقات " ليس اكثر ، لكنني اليوم ومع حلول شهر رمضان
المبارك ونبوءة صاحبي تتحقق ، أيقنت بأن صديقي لربما كان أكثر حصافة مني
وأكثر إدراكاً للواقع السياسي ومعطياته المتقلبة .
هل
كان أحداً منا يصدق أن ثورة اليمنيين ستستغرق كل هذا الوقت الطويل ، وهل
كان جميعنا يدرك أن خمسة أو ستة أشهر ، بل ولربما سبعة أو ثمانية أشهر أو
أكثر من ذلك ، لن تكون كافية لتبلغ الثورة ذروتها ، ولتحقق كل أهدافها
وغاياتها ، ولربما لو علم اليمنيون سلفاً بأن ثورتهم ستستغرق كل هذا الوقت
الطويل لما أقدموا عليها أصلاً .
من
كان يصدق مثلاً أن الشباب الثائر في ساحات التغيير باليمن يملك كل هذا
القدر من الصبر ، ومن العزيمة والإصرار وإرادة التحدي لكل الصعاب داخل
ميادين الحرية وساحات الاعتصام طوال هذه الفترة الطويلة ، وهي التي راهن
النظام على أنها كفيلة بجعل الشباب يغادرون الساحات وينصرفون إلى شئونهم
الخاصة .
من كان يصدق أن " القات" آفة الآفات في اليمن ، والذي كان يُعتقد في بداية الثورة أنه
سيكون أول الأسباب التي ستجعل اليمنيين ينصرفون من المسيرات إلى أسواق
القات قبل أن يصلوا إلى الساحات أصلاً ، ناهيك عن الاعتصامات فيها ، فإذا
بالقات يتحول من "محنة" إلى "منحة" ، ومن "مشكلة" إلى "حل" وبات هو بمثابة البنزين الذي زاد من عزائم الثوار للبقاء في الساحات كل هذه الأشهر الطوال .
من
كان يصدق بأن أكثر من 50 مليون قطعة سلاح بيد اليمنيين ، ما بين الخفيف
والمتوسط ، بل وحتى الثقيل أحياناً ، والتي كان يُقال عنها عند قيام الثورة
بأنها كافية لدخول اليمنيين في أتون حرب أهلية طويلة الأمد تأكل الأخضر
واليابس ولا تنتهي عند حد ، وستجعلهم يتقاتلون فيما بينهم ، الأمر الذي
سيفضي إلى انهيار أمني واقتصادي مروع خلال بضعة أسابيع ، من يصدق أن قِطَع
السلاح تلك باتت هي صمام الأمان الحقيقي الذي أحدث توازناً – نسبياً – بين
قوة الدولة وبطشها وبين قوة الشعب ، والتي لولاها – بتقديري – لكان حالنا
أشبه بليبيا تماماً وبسوريا مؤخراً ، بل ولربما كان أسوء منهما قمعاً
وإرهاباً .
لكنني مع كل هذا الإعجاب بعزائم
الشباب ، وبصبر اليمنيين وصمودهم داخل الساحات وخارجها ، أخشى من أن يجعل
البعض – ممن كانوا سبباً في تعثر إنجاز الحسم للثورة طوال مسيرتها خلال
الستة أشهر المنصرمة ، الذين ثبت للشعب يقيناً
عجزهم وفشلهم في إدارة الأزمة مع النظام على كل المستويات ، أو حتى من
الأطراف التي لازالت إلى اليوم تراوغ وتناور تحت مظلة النظام - أخشى
أن يجعل أولئكم البعض من شهر رمضان المبارك سبباً آخر لإطالة أمد الحسم
الثوري ، وذلك بالقول مثلاً بأن رمضان هو شهر تفرغ للعبادات ، وهو فرصة
لترك الخصومات والخلافات جانباً ، ورمضان ليس هو الوقت المناسب للمناكفات
الحزبية والسياسية ، وباختصار .. رمضان " مش حق داوية " ولا حق مناكفات ، أول شي خلونا نصوم سع ما الناس ، وبعد رمضان والعيد يحلها الباري " ، وغير ذلك من هذا الكلام الذي هو حق يراد به باطل .
أرى
بأن استمرار الثورة على الظلم وعلى الفساد هي من أهم العبادات التي يجب أن
يتميز بها رمضان هذا العام عن غيره من الرمضانات السابقة ، وأن الاستمرار
بالاعتصامات داخل الساحات وأداء الصلوات فيها وخاصة صلاتي التراويح والتهجد
هذا العام ستكون من أفضل العبادات التي ستميز كذلك رمضان هذا العام ، وأرى
كذلك أن تصعيد الفعل الثوري في شهر رمضان هو أوجب من غيره من الشهور لأنه
كان ولا يزال شهر الانتصارات العظيمة على كل قوى الباطل وقوى الشر عبر
التاريخ .
نعم
.. إننا يجب أن نعيش هذا العام رمضاناً مختلفاً ، وبنكهة مختلفة عن سابقه
من الرمضانات ، والتي لربما لم نكن نعرفها منذ عقود مضت ، يجب أن نكون في
رمضان هذا العام أكثر ثورة على أهواءنا ورغباتنا .. ندع خلافاتنا داخل الساحات جانباً .. نقترب أكثر من بعضنا .. نلتحم داخل الساحات وفي ميادين التغيير .. نرص
الصفوف ونوحد القلوب .. نرفع جميعاً أيدينا إلى السماء في كل صلواتنا ..
نكون أكثر تذللاً إلى الله ربنا وخالقنا .. ثم نلهج مع بعضنا بالدعاء ..
الدعاء وحسب .. مع كثير من العمل ، علنا بعد ذلك نستحق النصر .. النصر الذي
انتظرناه طويلاً .
و ... " ثوروا تصِحُّو" .. وكل عام وانتم بخير